تم النشر في الأحد 2017-01-22
معتصم الفلو
في الأسبوع الماضي، كنت جالسًا في أحد المقاهي أنتظر صديقًا حتى يأتي، وكان يجلس بجانبي مجموعة من الشباب، يتحدثون بصوت عالِ عن إحدى الشركات المحلية، التي أشهرت سيف المادة 77 في وجه الموظفين السعوديين وغير السعوديين، وفصلت عشرات الموظفين من أصحاب الرواتب ذات الـ5 آلاف إلى 7 آلاف، ولكن بحيلة أكثر ذكاءً مما حصل مع شركة عبداللطيف جميل، التي فصلت 1000 موظف سعودي وأغلقت بعض المعارض و”هشتقها” المغردون، وصولًا إلى إيقاف خدمات وزارة العمل عنها.
لا أخفيكم أن الموضوع كان مثيرًا ومادة خصبة للكتابة، سيما عندما سمعت عن “الحيلة”، التي تقوم على فصل عدد بسيط لايتجاوز 5 أو 6 أشخاص كل أسبوعين أو ثلاثة من فروع مختلفة، تنتشر في كافة أنحاء المملكة، فلا تفوح رائحة الخبر. وكان عدد المفصولين غير السعوديين أعلى قليلًا؛ حتى لا يبدو الأمر وكأنه ظاهرة، قد تنتهي بهاشتاق على تويتر، فيحصل بعدها ما تحمد عقباه لاحقًا.
وأقسم أحد المتحدثين أن أيًا من الرؤساء التنفيذيين لتك الشركة لم يحزن بسبب قرارات الفصل، ولم يذهب أحد منهم إلى مجلس الإدارة لإيقاف بعض القرارات الجائرة، بل إنها حظيت بدعم وتشجيع منهم، بما يتجاوز الحد المطلوب لأعداد المفصولين!
ليست الحيلة هي القصة، وأنا أصدقها شخصيًا، إذ لا تمر بضعة أيام، إلا وتسمع خبرًا هنا أو هناك عن عمليات الفصل، فهذه طبيعة اقتصاد السوق: توظيف كثيف وقت ازدهار الأعمال واستغناء عن الموظفين وقت الركود أو ضعف النمو، وهكذا دواليك. وهناك شركات وبنوك عملاقة استغنت عن مئات من الموظفين، ولكن مر الموضوع مرور الكرام على وسائل التواصل، ولم تحصل “دوشة”، يعقبها إدارة أزمة من أقسام العلاقات العامة في تلك البنوك أو الشركات.
القصة تبدأ عندما رأى القسم المالي في تلك الشركة بتكليف من مجلس الإدارة، أن البدلات والمنافع التي يجنيها الرؤساء التنفيذيون ومديرو الأقسام الكبار، كبيرة وتفوق طاقة الشركة، فأصدروا توصية وافق عليها مجلس الإدارة فورًا، وصارت قرارًا، يقضي بتقليص بدلات السكن والنقل والمصروف اليومي لرحلات العمل مع تخفيض درجة التذاكر من “أعمال” إلى “سياحية”.
وفي تلك اللحظة، انتفض الرؤساء التنفيذيون ومديرو الأقسام الكبار ودبجوا الرسائل وشكلوا وفدًا إلى مجلس الإدارة للاعتراض على القرارات الأخيرة، واعتبروا أن تلك القرارات تؤذي الـ”لايف ستايل” الذي اعتادوا عليه لسنوات طويلة، وأن القرارات قد تجعلهم يسكنون في شقق عادية؛ بدلًا من الـ”كومباوند”، مما سيؤثر على نفسيتهم وعلى الـ”بريستيج” الذي يظهرون به أمام أصدقائهم!
لا أعلم حقيقة مالذي سيؤذي شخصًا انخفض راتبه من 70 ألفًا إلى 50 ألفًا أو 40 ألفًا؟ وهل صار سكنى الشقق عيبًأ؟ لا تفسير لذلك سوى أمر واحد: الأنانية وانعدام الشعور بالآخرين وانتشار مفهوم “أنا ومن بعدي الطوفان”.
كل شركة تريد أن تفصل موظفين ينبغي عليها النظر في رواتب التنفيذيين أولًا، فتقليص رواتبهم ببضعة آلاف قليلة، قد ينقذ آلاف الشباب من فخ البطالة وكذلك أسرهم من العوز والفاقة.
أقول قولي هذا وأستغر الله العظيم لي ولكم. نجانا الله جميعًا من الأنانية والإفراط في حب الذات، فهي أم المهالك.