الصراع .. الأسباب والأدوات
تم النشر في الخميس 2022-03-10
العلاقات بين الأمم والشعوب علاقات معقدة يتداخل فيها كثير من العوامل والمتغيرات، منها المادي، ومنها المعنوي، والقيمي، حتى إن تاريخ البشرية مليء بالصراعات، سواء في العصر البدائي، أو في العصر الرعوي، أو في عصر الثورة الصناعية، أو عصر التقنية الرقمية التي نعيشها في الوقت الراهن، إذ قديما تنشب الحروب على الماء والمرعى، لما لهما من أهمية في الاقتصادات القائمة في تلك الفترة، وهذه النزعة لدى الإنسان أساسها حب التملك التي لا بد منها لاستمرار الحياة والطمأنينة. هذه النزعة لم تنته مع انتهاء فترة الحياة البدائية، بل تعيش مع الإنسان أينما وجد، وفي أي فترة من الفترات، وما شهده العالم عبر التاريخ حتى الوقت الراهن من حروب ونزاعات مسلحة لا تخرج عن نزعة حب التملك، ويدخل ضمن نزعة التملك، وإن لم يكن بشكل مباشر الهوية الفردية والهوية الجماعية التي تحدث شيئا من الطمأنينة والاعتزاز على مستوى الفرد، والجماعة.
الهوية قد يكون أساسها مناطقية، أو عرقية، أو دينية، أو فكرية فلسفية، أو غيرها مما يجد فيه الناس مندوحة للافتخار والتباهي، حتى تحولت أسس الهوية إلى سبب مباشر للصراع بين الأمم. ففي القرن الـ20 شهدت الساحة الدولية صراعات فكرية بين النازية التي رفع شعارها هتلر تمجيدا للعرق الألماني وتفوقه على الأعراق كافة، حتى كانت النتيجة النهائية الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها عشرات الملايين. كما أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي استمرت عقودا بمشاهد سياسية وفكرية، وحرب إعلامية، وسباق تسلح، ومناوشات عسكرية بين القوتين مباشرة، أو بين أتباع القطبين بالنيابة، حتى ظهر ما عرف بالمعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، وما الإنزال العسكري السوفياتي في مطار براغ في الستينيات الميلادية إلا مثال لصراع القطبين لأسباب أيديولوجية. كما يمكن الاستشهاد بالأحزاب التي شهدتها ساحة بعض الدول العربية، حيث مصطلحي اليسار واليمين، أو اشتراكي ورأسمالي كانت من المصطلحات الشائعة في تلك الفترة، حتى انقسم العالم العربي بين المعسكرين، ولم يسلم من آثار تلك الفترة إلا القليل من الدول.
الهوية الدينية والمذهبية كانت ولا تزال أساسا للصراع، إذ تحولت إلى ساحة صراع فكري من خلال الكتب، والمقالات، والبرامج الإذاعية، وفي الوقت الراهن وظفت وسائل التواصل الاجتماعي كـ”فيسبوك، وتويتر، وواتساب، وتيك توك” كساحات صراع مليئة بالأطروحات بين مناصري الأديان، والمذاهب، والإلحاد، والاتجاهات الفكرية المتباينة. ولفت نظري حديث قسيس روسي يتحسر على الانتشار السريع للإسلام، مشيرا إلى خلو الكنائس من المصلين، وحرص المسلمين على أداء الصلاة في الساحات والشوارع، ويقول إنه في عمر متقدم لن يشهد هيمنة الإسلام على العالم، وهو بهذا يستنهض همم المسيحيين لمواجهة التمدد الإسلامي.
الهوية الثقافية واللغوية تمثل أساسا قويا للصراع بين الأمم، فكل أمة ترى ثقافتها الأجمل، والأكمل، وتسعى لنشرها في العالم، وفرضها، ولعل انتشار اللغة الإنجليزية في كل أنحاء العالم، وتحولها إلى لغة المعرفة الحديثة، والتجارة، والتعاملات المصرفية والمالية، والسياسة، يؤكد التفوق لهذه اللغة أمام تراجع اللغات الأخرى، وعدم القدرة على منافستها في الوقت الراهن، وهذا يعود في الأساس إلى النهضة العلمية الكبرى التي شهدتها الدول الغربية، وما صاحبها من منتجات ينعم بها العالم. تجدر الإشارة إلى سيادة اللغة العربية في زمن التقدم العلمي في الأندلس.
ومن المبررات التي ساقها بوتين للتدخل في أوكرانيا، منع الحكومة الأوكرانية الروس المقيمين على أراضيها من استخدام اللغة الروسية، ومضايقتهم في ممارسة شعائرهم الأرثوذكسية، كما يؤكد أن رجوع الناس إلى خلفياتهم الثقافية والدينية وتشبثهم بها يمثل ركنا أساسيا في حدوث النزاعات والحروب، وقرار مجلس النواب والحكومة الصربية في التخلي عن عضوية الناتو، والتحالف مع روسيا، لما بينهما من اشتراك في المذهب الأرثوذكسي.
أدوات الصراع لم تعد مباشرة فقط، إنما دخل ضمنها التجسس، ودمج نظريات علم النفس مع التقنية الحديثة لاحتلال العقول بإقناعها بقيم دولة أخرى، والقناعة تجعل الفرد يدافع عن الآخر بوعي، وقناعة، أو دون وعي، ولذا نجد من يطلق عليهم الطابور الخامس يجهدون أنفسهم دفاعا، ليس فكريا فقط، وإنما تضحية بالنفس والمال عن الآخر، وهذا ما يصيب الأمم في مقتل. كما أن من أدوات الصراع التي استخدمتها أمريكا أخيرا ضد روسيا نظام سويفت المالي، وماستر كارد، وفيزا، وتويتر، وفيسبوك.. إلخ، وهذا مؤشر خطير يستدعي الانتباه له وإيجاد البدائل، كما فعلت الصين.
نقلاً عن الاقتصادية