مقالات

السلوك والعادات .. والهدر في الطعام

تم النشر في الثلاثاء 2019-05-28

 

 

د.صالح السلطان

نحن في شهر رمضان المبارك. تقول منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” إن الفرد في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي يهدر ما متوسطه 250 كيلوجراما سنويا من الطعام. وهذا الهدر يزيد في رمضان ليصل إلى 350 كيلوجراما. وأكد عديد من الإحصاءات في الدول العربية أن حجم الإنفاق على الطعام في رمضان، ولا سيما في دول الخليج، يرتفع بنسبة تقارب 50 في المائة مقارنة بباقي شهور السنة.

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا ولْيُمِطْ ما عَليهَا من الأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا” رواه مسلم. هذا في لقمة واحدة فكيف بالأطعمة الكثيرة التي تزيد على الحاجة فيرمى الزائد. وكيف بالموائد العظيمة التي يبقى كثير من طعامها فيرمى في القمامات؟ رأى – صلى الله عليه وسلم – تمرة في الطريق فأخذها بيده وقال: “لَوْلاَ أَني أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الزكاة لأَكَلْتُهَا”، لكنه رفعها من الطريق. والامتناع عن أكلها لأن الله حرم على محمد وآل محمد الزكاة، هذا من تقدير النعمة وتوطين النعمة وعدم إهدارها.

يحدث هذا في الوقت الذي نشهد فيه معاناة عشرات الملايين في الشرق الأوسط من نقص مزمن في التغذية، بحسب «الفاو». فنسبة كبيرة من سكان بعض دول الشرق الأوسط والعالم العربي يعيشون في فقر. وتسجل دول معدلات عالية في سوء التغذية، بما في ذلك تغذية الأطفال، ورغم ذلك تأتي هذه الدول بين أكثر دول العالم إهدارا للطعام.

وتشير أرقام هيئة الإحصاءات العامة إلى أن قرابة 20 في المائة من دخل الأسرة في بلادنا السعودية يذهب للطعام. وكشفت دراسة أجرتها وحدة المعلومات الاقتصادية في مجلة “الإيكونوميست” البريطانية عن أن مخلفات الفرد في السعودية تقارب ثلاثة أمثال معدل نظيره في أوروبا وأمريكا الشمالية.

من أسباب ارتفاع الهدر الولائم والموائد المفتوحة، وخاصة في الفنادق والمطاعم ليلا. من الأسباب بعض العادات. منها أن يؤتى للضيف بالطعام، وشبه مؤكد أن يتبقى منه كثير مصيره في الغالب الرمي. ولذا أرى أن الأحسن أن يتناول الضيف بنفسه ما يحتاج إليه من طعام. وعليه أن يتقي الله ويراعي حاجته في قدر ما يغترف من الطعام.

ومن العادات المؤدية إلى الهدر أن يتناول البعض الأرز والطعام من الوعاء الكبير “الصحن الكبير أو ما يسمى شعبيا «التبسي»، مع عدم الاهتمام بما يسقط من الأرز على السفرة. وخلاف ذلك، فإن النفوس غالبا تعاف الأكل مما يتبقى من الطعام في الوعاء، فيكون مصيره الهدر. وقد سمعت أحد كبار القضاة يحدث أنه كان في منزل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -، فقدم الطعام، فاشترط الشيخ على تلاميذه الضيوف إما أن يأكلوا كل الطعام الذي في الوعاء أو أن يغترف كل واحد حاجته من الطعام في صحن خاص به.

انطلقت مبادرات حكومية وأهلية للتعامل مع هذا السلوك السيئ. فقد أطلقت في عديد من دول الشرق الأوسط والعالم العربي مبادرات لحفظ وتقدير النعمة. ففي بلادنا مثلا جمعيتا “خيرات” و”إطعام”، اللتان تقدمان مبادرات عديدة لنشر ثقافة حفظ الفائض من الطعام لدى الفنادق والمطاعم وقاعات المؤتمرات وتقديمه للمحتاجين، ويقوم بها متطوعون. وفي الإمارات، مبادرة “بنك الإمارات للطعام” ومشروع “حفظ النعمة” بإشراف مؤسسة الهلال الأحمر الإماراتي. وهناك مبادرات فردية.

وقام أحد فنادق دبي بوضع كاميرات مراقبة ترصد الأطعمة التي ترمى أكثر من سواها. الهدف مساعدة الفندق على تقليل الأطباق غير المرغوب فيها.

نطمح أن تسعى جهات معنية في بذل جهود أقوى بهدف تغيير العادات والسلوك بما يجعل الطعام المهدر يقل بشدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock