السلع المقلدة تغرق الأسواق السعودية وتتحدى الرقابة
تم النشر في الثلاثاء 2016-11-29
على رغم تأكيدات مسؤولين في وزارة التجارة والاستثمار محاصرة السلع المقلدة في الأسواق السعودية، لكن واقع السوق يشير إلى خلاف ذلك، إذ يؤكد متسوقون وإحصاءات رسمية ان البلاد تغص بالسلع المقلدة والعلامات التجارية المزورة.
ووصلت قيمة الأضرار التي تكبدها الاقتصاد العالمي في العام 2015 بسبب البضائع المزيفة إلى حوالى 1.7 تريليون دولار، فيما يُتوقع أن يرتفع هذا الرقم 15 في المئة سنوياً في ظل ازدياد مبيعات البضائع المقلدة، التي غالباً ما تكون «خطرة»، وخصوصاً مع انتشار التسوق عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتصنَّف السعودية ضمن البلدان ذات القدرة الشرائية العالية، ما يجعلها «وجهة مفضلة» لهذه النوعية من السلع. وكشف تقرير أصدرته مصلحة الجمارك العامة عن نشاطها في مجال مضبوطات المنافذ الحدودية للربع الأول من العام 2016، ان إجمالي ما ضُبط من المواد المقلدة والمغشوشة بلغ 20 مليون وحدة، بينما بلغت الكمية المرفوضة لعدم مطابقتها المواصفات والمقاييس 19.7 مليون وحدة.
وأوضحت إحصاءات «المصلحة» للعام الماضي 2015 ان الكميات المضبوطة من المواد المغشوشة والمقلدة فاقت 123 مليون وحدة، بارتفاع مقداره 6.12 في المئة عن العام 2014، وفاقت قيمتها 7.2 بليون ريال، بينما بلغ عدد محاضر الضبط 1.22 ألف محضر، بارتفاع 80 في المئة عن العام 2014.
وعلى رغم كثرة هذه المحاضر، تعج الأسواق المحلية بالسلع المقلدة، وفسرت «الجمارك» ذلك بأن بعض تلك السلع «تُنتج محلياً». وقالت في تغريدة على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن «عصابات تهريب السلع المغشوشة والمقلدة تلجأ إلى محاولة إنتاج تلك السلع محلياً عند عجزها عن إدخالها عبر المنافذ الجمركية».
وتتولى مهمة الرقابة على الأسواق المحلية جهتان، هما وزارة التجارة والاستثمار وجمعية حماية المستهلك، وإذا كانت الأولى تبذل الجهود لمحاصرة هذه السلع، فإن الجمعية التي تأسست قبل حوالى العقد بدت لأعوام «مشلولة» عن القيام بدورها، في ظل ما عاشته من صراعات داخلية، وانخراط القائمين عليها في «تصفية حسابات» للظفر في كرسي الرئاسة، حتى وصلت الأمور إلى أروقة المحاكم، بالإضافة إلى مشكلاتها مع وزارة التجارة، إذ اتهمت الجمعية الأخيرة بمحاولة «الهيمنة عليها وسلبها استقلاليتها»، التي نص عليها الأمر الملكي في قرار تأسيسها، ما أدى إلى صدور قرار ملكي قبل حوالى الشهر، بتولّي وزير الصحة توفيق الربيعة مهام تنظيم «جمعية حماية المستهلك».
لكن الجمعية حاولت خلال العام الأخير الاضطلاع بدور ما لحماية المستهلك من السلع المقلدة، وخصوصاً في مجال التوعية، ودرس أسباب انتشار هذه السلع، وسبل حماية الأسواق منها.
وفي إطار جهودها للحد من انتشار السلع المقلدة في الأسواق، تتعاون «حماية المستهلك» مع شركة الوقاية الدولية العلمية «يو إل» (أندررايترز لابوراتوريز) والائتلاف الدولي لمكافحة التزييف، لدعم جهودها في مكافحة هذه الظاهرة العالمية، بالشراكة مع القطاعات الحكومية.
وأطلقت الجمعية الشهر الماضي ورشة عمل لمكافحة التقليد وجرائم الملكية الفكرية في الرياض بمشاركة مجموعة من المؤسسات الحكومية السعودية، من بينها مصلحة الجمارك العامة والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة والمديرية العامة للدفاع المدني والهيئة العامة للغذاء والدواء ووزارتي الصحة والتجارة. وركز الحدث على حماية المستهلك ومنع المنتجات المقلدة، مثل الأدوية، وألعاب الأطفال، والأجهزة الإلكترونية.
ويعزو البعض أسباب نمو سوق البضائع المقلدة خلال السنوات الماضية، إلى ارتفاع المبيعات عبر الإنترنت. ففي العام 2014، أوقفت شركة «غوغل» 524 مليون إعلان يروج بضائع مقلدة أو برمجيات «خبيثة»، أو يخالف سياسة الموقع. فيما حذف موقع «فايسبوك» في العام نفسه، أكثر من ثلاثة آلاف إعلان احتيالي خلال 60 ساعة فقط.
وقال نائب الرئيس المدير العام لدى «يو إل» حامد سيد: «تعتمد الجهات الحكومية السعودية سياسات صارمة وأساليب وقاية ذكية لمواجهة هذه المشكلة العالمية ولحماية مواطني المملكة من الأخطار الحقيقية التي تتسبب بها المنتجات المقلدة».
وتشمل أضرار البضائع المقلدة جميع القطاعات، بدءاً من التجهيزات المنزلية، والمنتجات الكهربائية، والأدوية، وأجهزة إطفاء الحرائق، وغيرها. فيما تشكل مستحضرات التجميل المقلدة خطراً كبيراً لاحتوائها على مواد سامة، مثل: الزرنيخ والرصاص، والزئبق والقصدير والكادميوم.
وفي سياق متصل، دشنت جمعية حماية المستهلك الشهر الماضي، برنامج «متمكّن» الذي يهدف إلى بناء قدرات المستهلك وتعزيز المعارف والمعلومات والمهارات المتعلقة في حقوق المستهلك وحمايته وطرق التعرف على المنتجات المغشوشة والمقلدة وكيفية شراء المنتجات.
وكشفت وزارة التجارة والصناعة في شباط (فبراير) الماضي، أساليب وطرق تحايل، تتبعها بعض المحال التجارية المتورطة في تخزين السلع المقلدة والمغشوشة، إذ ضبط المراقبون أثناء جولات تفتيش محال متخصصة في تجارة الساعات المقلدة في حي المرقب وسط الرياض.
وقالت الوزارة في بيان صحافي حينها: «تبين للمراقبين إخفاء كميات كبيرة من الساعات المقلدة لعلامات تجارية مشهورة داخل الأسقف المستعارة لتلك المحال والتمويه بعرض كميات منها داخل عبوات أصلية، لإيهام المستهلكين بجودتها العالية»، مشيرة إلى أنه ضبطت وحجزت 20 ألف قطعة مقلدة لعلامات مشهورة.
فيما ضبطت الوزارة أيضاً ألفي سلعة مقلدة لعلامات تجارية تضمنت حقائب نسائية ومحافظ وأقلاماً وأصنافاً متعددة من الأكسسوارات.
وفي حي المرسلات شمال الرياض أيضاً، ضبطت الوزارة خلال جولات تفتيش على أسواق الجوالات أكثر من 38 ألف قطعة مقلدة من شواحن وسماعات وبطاريات الهواتف المقلدة لعلامات تجارية معروفة، وصُودرت الكميات المضبوطة وغير المطابقة للمواصفات القياسية السعودية تمهيداً لإتلافها، واستدعت ملاك المحال المخالفة لاستكمال الإجراءات النظامية.
وشملت جولات التفتيش ثمانية آلاف و127 منشأة تجارية في مختلف مناطق المملكة، ونتج منها ضبط ألفان و88 مخالفة لأنظمة حماية المستهلك التي تطبقها الوزارة، وتنص الضوابط والشروط على أن تكون جميع السلع المعروضة للبيع (المستوردة والمصنعة محلياً) مطابقة لأحكام نظام البيانات التجارية، ونظام مكافحة الغش التجاري، وإلزام المنتجين والموزعين بطباعة العلامة التجارية للجهة المصنعة على جميع الكميات، إلى جانب وضع بطاقة توضح بيانات السلعة وتفاصيل أسعارها قبل عرضها للبيع في الأسواق التجارية.
وعلى الصعيد الرقمي، كشفت «التجارة والاستث+9686+93مار» في آب (أغسطس) الماضي إيقاف الفرق المخصصة فيها لمكافحة التقليد والغش التجاري 75 حساباً في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي (تويتر، وفايسبوك، وإنستغرام)، لمخالفتها نظام العلامات التجارية.
ورصدت الوزارة قيام هذه الحسابات بنشر حوالى 36 ألف إعلان، لمنتجات مقلدة ومغشوشة لعلامات تجارية مسجلة في الوزارة، وهو ما يُعد «مخالفة صريحة» لاستخدام المواقع في تسويق وترويج المنتجات المُقلدة، ويعتبر انتهاكاً صريحاً لنظام العلامات التجارية.
وتشهد مواقع التواصل تفاعلاً من سعوديين مع المشكلة، معبرين عن شكواهم من هذه السلع من خلال تغريدات على «تويتر»، بإطلاق وسوم ذات علاقة ومنها «الغش التجاري ينتهي إذا» و«الغش التجاري» وغيرهما. وغرد «راغنار»: «السعودية تُعتبر من أهم الأسواق في العالم للخردوات والسلع المقلدة والأغذية الخطيرة، وحتى الأدوية».
وكتب عبد العزيز السعيد: «السلع المقلّدة تشكل 39 في المئة من مجموع السلع المعروضة في الأسواق. حجم الخسائر السنوية من ترويج البضائع المقلّدة في السعودية 22 بليون ريال سنوياً».
وتساءل أنور القحطاني عن الحل: «ذكر في بعض المواقع الإلكترونية أن كلفة السلع المقلدة والمغشوشة في السعودية حوالى 22 بليون ريال. ما الحل لهذا الرقم الخطر»، مضيفاً في تغريدة أخرى: «كلفة السلع المقلدة والمغشوشة استنزفت 22 بليون ريال في السعودية. لا بد من نظرة جدية للموضوع وإعادة تقييم لأنظمة الجمارك».
وكتب مغرد آخر يطلق على نفسه اسم «ظرف»: «الغش التجاري ينتهي إذا تم منع استيراد الأشياء المقلدة من المنافذ عقوبات صارمة وتشهير. وتوحيد أسعار السلع الأساسية مثل الرز… الخ».