التوازن في دور المرأة العاملة بين البيت والعمل
تم النشر في الثلاثاء 2017-08-15
لازال موضوع خروج المرأة للعمل وكيف توازن بين بيتها وعملها يشغل المجتمعات العربية. وهناك من يعتبر أن خروج المرأة للعمل هو خروج عن تعاليم الدين، وهناك من يؤيد خروجها للعمل واعتبار أن العمل مؤثر أصيل في تنمية شخصية المرأة وحصولها على حقوقها الضائعة واحتلالها لمكانتها اللائقة.
والمرأة العاملة تواجه تحديا كبيرا لأن عليها أن توازن بين عملها ومنزلها بحيث لا تقصر في أي منهما، ولتحقيق هذا التوازن يحتاج الامر الى عزيمة وتنظيم للوقت. خاصة أنه لابد على الأم العاملة أن تقضى وقتًا كافيًا مع أبنائها لترعاهم وتعنى بتربيتهم وتمنحهم الشعور بالأمان وبأنهم مقدمون على عملها مهما كانت أهميته لينشأوا بنفسيه سوية وعقل راجح.
في هذه المساحة تتناول بعض الخبيرات هذا الموضوع بشئ من التفصيل.
أشارت الكاتبة والمحررة الصحفية وسيلة الحلبي أن المرأة العاملة كثيرا ما تحسد من قبل بعض النساء الماكثات بالبيت بسبب خروجها يوميا واستقلاليتها المادية. غير أنهن لا يرين الجانب الصعب من يوميات المرأة العاملة التي يتوجب عليها أن تكون عاملة مثالية بمقر عملها وربّة بيت من الدرجة الأولى وأمّا صالحة، فالواقع ليس دائما ورديا بالنسبة للمرأة العاملة التي تجد نفسها مجبرة على العمل داخل البيت وخارجه بالإضافة إلى الاهتمام بتربية الأطفال. ولا بد أن تدرك المرأة العاملة مسؤوليتها الأولى التي ستسأل عنها وهي دورها كزوجة وكأم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..
الاختيار السليم للعمل
أما الأخصائية الاجتماعية فريال مكي كردي فتؤكد أن نجاح المرأة يعتمد في الاختيار السليم للعمل وكيف توازن بين عملها ومسؤوليتها كزوجة وأم، وهناك عدة عوامل يعتمد عليها نجاح الاختيار بين العمل أو البقاء في البيت، منها طبيعة المرأة نفسها وقدرتها النفسية على تحمل الضغوط. فالمرأة القوية نفسيا والتي تستطيع تحمل ضغوطات العمل بحيث لا ينعكس على حالتها النفسية داخل الأسرة تختلف عن المرأة التي ينعكس عملها على بيتها وعلى علاقتها بزوجها وأبنائها. وننظر الى مدى وعي المرأة بدورها كزوجة وكأم.
وتناولت الأخصائية الاجتماعية فريال دور المرأة الواعية تماما بدورها الزوجي والتربوي ووعيها بمقومات العلاقة الزوجية الناجحة ومقومات التربية السليمة وأهدافها ووسائل تحقيق هذه الأهداف. وأوضحت أن هذه المرأة قد تكون مدة بقائها في المنزل قصيرة ولكنها تكون فعالة ومؤثرة ومركزة.
واستعرضت كذلك دور المرأة الأقل وعيا التي تجلس الساعات طويلة في البيت بدون أن يكون لها دور ايجابي مع أبنائها. فهي تهمل في رعاية زوجها وفي تربية أبنائها فتتركهم نهبا للتليفزيون والانترنت وألعاب الفيديو ويكون كل همها التليفزيون والتليفون والنوادي والأصدقاء.
وأكدت أيضا على ضرورة معرفة المرأة العاملة بطبيعة العمل نفسه والهدف منه، فالعمل الذي يستهلك وقتا وجهدا عصبيا وذهنيا غير العمل الأقل جهدا ووقتا.
وتضيف أن الأهداف من العمل تختلف من امرأة إلى أخرى كالتالي:
• فمن النساء من ترى في العمل مجالا لإحراز النجاح وإفادة المجتمع، فهي بعملها تحمل رسالة، وهي امرأة لها طموحات وتريد أن تحقق ذاتها وتخدم مجتمعها من خلال عملها.
• وهناك من ترضى أن تكون مجرد موظفة قابعة خلف مكتب أو موظفة ثرثارة تجعل العمل وسيلة للتسلية بدلا من قضاء أوقات مملة بالبيت.
• ومن النساء من ترى العمل وسيلة لتحقيق الاستقلال المادي والذي تشعر معه بالأمان من تقلبات الزمن.
• ومن النساء من تفضل البقاء في البيت لأنها كسولة فهي تريد من ينفق عليها دون تحمل أي مسؤولية.
• ومنهن من تفضل البيت حتى تستطيع أن تقوم بواجباتها الزوجية على أكمل وجه ثم التفرغ لتربية أبنائها تربية صالحة.
• ومنهن من تفضل البيت حتى تقوم بواجباتها الزوجية والتربوية وتتفرغ للعمل التطوعي والخدمي.
وأوضحت أن البقاء في البيت أو الذهاب إلى العمل ما هي إلا وسائل لتحقيق أهداف وليست أهداف في حد ذاتها، فلابد أن تحدد الهدف أولا كي تختار الوسيلة المناسبة لها. وطلبت من كل زوجة اختارت عن اقتناع أن تقر في بيت الزوجية ألا تتخذ هذا البقاء ذريعة لإهمال ذاتها بحجة التفرغ للبيت والزوج والأبناء، وان تحرص على تنمية ذاتها إيمانيا وعقليا ونفسيا وسلوكيا وجسديا، بل لابد أن تضع لنفسها أهداف يمكن تحقيقها داخل بيتها ووسائل لتنمية شخصيتها وتنمية قدراتها ومهاراتها. ولا ينعكس أثر ذلك على المرأة فحسب بل على علاقتها بزوجها وأبنائها، فالرجل في معترك الحياة العملية تزداد اهتماماته وتزداد خبراته، ومع إهمال الزوجة نفسها فإن ذلك يحدث فارقا عقليا وفكريا وثقافيا قد يوجد نوعا من التباعد النفسي والفتور والصمت الزوجي.
وبسؤال الأخصائية الاجتماعية فريال حول كيفية موازنة المرأة العاملة بين البيت والعمل أجابت:
لابد أن تضع المرأة العاملة البيت والأسرة في الأولوية ثم العمل، بشرط ألا تهمل عملها لأنه أمانة ثانية على عاتقها أضافتها هي لنفسها عن رغبة منها. ومن أجل تحقيق تنظيم وتوازن جيد لابد أن تحدد المرأة العاملة جميع الاشياء التي تريد القيام بها في كل يوم على حده، لأن هذا يساعدها على التوزيع الجيد للوقت على تلك المهام شاملة عملها واهتمامها بزوجها وأولادها وبيتها. كذلك عليها أن تحدد الأشياء التي تضيع الوقت لتلغيها من يومها مثل المكالمات الهاتفية التي لا ضرورة لها. ويمكنها تحديد وقت محدد لها عندما تفرغ من مهامها الأساسية. وإذا كان على المرأة العاملة القيام بعدد من الواجبات أو الأعمال الضرورية خارج المنزل فلا تكدسها جميعها في يوم واحد، بل توزعها على الأيام وتحاول جعل المشاوير القريبة من بعضها في نفس اليوم لتختصر الوقت، وعليها اختيار الأوقات غير المزدحمة للقيام بها. كما يمكن للمرأة العاملة تخصيص يومين في الأسبوع للقيام بالأعمال المنزلية، حيث يمكنها الطهي لثلاثة أيام مثلا في يوم واحد، ونفس الأمر بالنسبة للغسيل أو تنظيف الشقة. ولابد أن تحصل على قسط وافر من النوم أثناء الليل حتى يتوافر لها النشاط اللازم لتأدية مهامها خلال اليوم بهمة ونشاط. وعليها أن تصنع صلات قوية مع أفراد العائلة حتى يمكنها الحصول على المساعدة عندما تحتاج اليها. ولابد من تخصيص بعض الوقت لنفسها لعمل الأشياء التى تحبها حتى تجدد من طاقتها الداخلية. وهنالك فئة من النساء نجحن في التوفيق ما بين العمل في المنزل وخارجه لكن على حساب صحتهن واهتمامهن بأنفسهن، إذ تفكر فقط في ارضاء العائلة من زوج وأطفال، وهنالك من فشلن في ذلك مما أدى إلى نشوب مشاكل جسيمة بالبيت مع الزوج أساسا الذي يريد من زوجته أن تكون امرأة خارقة، إذ يطلب منها أن تساعده في تحمل نفقات البيت، ومن جهة أخرى، يطالبها بأداء كل الواجبات على أكمل وجه دون مد يد العون لها.
مسؤولية الأبناء
وتتحدث المستشارة الأسرية سارة الخريجي حول الأبناء وأين تتركهم المرأة العاملة وهي مطمئنة وخاصة في ظل مشاكل الخادمات.
وتقول إن المرأة العاملة قد تضطر الى ترك أبنائها فترة قد تطول أو تقصر حسب مدة الدوام الرسمي أو المهمات والانتدابات وغيرها. فالبقاء مع المربيات والخادمات غير مأمون العواقب. أما وجود الرفقة الصالحة المأمونة للطفل يمنحه العناية المادية والمعنوية المطلوبة وهنا يصبح القرار أسهل، فأطفال ما قبل سن المدرسة يحتاجون إلى عناية فائقة أكثر من الأطفال الأكبر سنا، والأطفال الذين يتحملون المسؤولية أثناء غياب الأم غير الأطفال عديمي المسؤولية، والأبناء ذوو الاحتياجات الخاصة غير الأبناء الطبيعيين. لذلك لابد من توافر حضانات تعي دورها التربوي، بل أيضا مطلوب وجود مؤسسات رياضية وترفيهية موثوق فيها تساعد الأم وتكون مكملا لدورها، ومثل هذه المرافق قد تكون خاصة يقوم بها رجال الأعمال أو سيدات الأعمال، أو تكون مؤسسات ملحقة بجهة العمل سواء كانت حكومية أو خاصة مما يجعل المرأة العاملة تقوم بعملها وهي مطمئنة على أبنائها بعيدا عن المخاطر. وبذلك يتطور الأبناء فكريا يوما بعد يوم ويتعلمون مهارات ويكتسبون معارف لابد أن تكون الأم على وعى بها حتى تكون دوما أهلا لاحترامهم وتقديرهم وحتى تكون دوما في محل ثقتهم.
وأضافت المستشارة الأسرية سارة الخريجي أنه لا بد من معرفة مدى تفهم الزوج لعمل الزوجة ومدى رغبته واقتناعه ثم مدى وعيه بدوره الأبوي والأسري، وهي ترى تصنيفات عديدة للأزواج:
• فهناك بعض الرجال من لا يقبل عمل زوجته بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى،
• وهناك من يسمح لزوجته بالعمل بشرط ألا يؤثر على البيت والأولاد.
• وهناك بعض الرجال ممن يسمح لزوجته بالعمل حتى تساعده في مصاريف البيت لان دخله وحده لا يكفي.
• وهناك من يسمح لزوجته بالعمل لأنه مقتنع أن زوجته لابد أن تحقق ذاتها وتثبت نجاحها وتؤدى رسالتها المجتمعية في موقعها ايا كان.
لذلك لابد من مشاركة الزوج في تحمل المسؤولية التربوية والأسرية، فالزوج المشارك في تحمل المسؤولية التربوية يختلف عن الزوج الذي يلقى بالمسؤولية كلها على عاتق الأم، وأقول للرجال أنه يتوجب عليهم مساعدة زوجاتهم في البيت وتفهمهم للتعب الذي تعانيه ومد يد العون لها ولو بأبسط الأمور كالاعتناء بالأبناء مثلا أو وضع المائدة فلا عيب في ذلك إذ ان سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) كان في خدمة أهل بيته.
دور متوازن
أما المحررة الصحفية وسيلة الحلبي فهي تتفق مع الأخصائية الاجتماعية فريال مكي كردي والمستشارة الأسرية سارة الخريجي، وتؤكد أنه يجب على المرأة العاملة عدم اهمال دورها الاجتماعي ودورها الإصلاحي في محيط مجتمعها. فالمشاركة في الجمعيات التطوعية والأعمال الخيرية بما لا يتعارض مع متطلبات البيت يعتبر أحد الوسائل الفعالة لإنجاز رسالتها وإثبات ذاتها. وقالت إنه يمكن لها أيضا أن تمارس عملا وهي بالمنزل، ولا تحتاج إلى كثرة الخروج، كأعمال التطريز والخياطة والتسويق أو الأعمال الأدبية أن كانت تملك الموهبة في ذلك، أو العمل عن طريق الانترنت كتصميم المواقع والترجمة إذا امتلكت المعرفة وكان عملها خارج المنزل يؤثر تأثيرا سلبيا على بيتها وأسرتها.
وتلخص حديثها بالقول إن نجاح المرأة يتمثل في تحديد رسالتها وتحديد أهدافها ووضع أولوياتها كخطوة أولى على طريق النجاح سواء في العمل أم داخل البيت.