التجاذبات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تدخل السلع في دوّامة من التقلبات
تم النشر في الأحد 2018-04-08
عانت أسواق السلع العالمية من تفاقم حدّة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين واللتان تتبعان مبدأ العين بالعين. وتباينت مستويات المخاطر في الأسواق على خلفية الرد الصيني على القرار الأمريكي بفرض الرسوم التجارية، وصدور إشارات متضاربة من البيت الأبيض. وبشكل عام، شهدت السلع تداولات منخفضة تخطت أدنى مستوياتها، ليلحق الضرر الأكبر بأسعار فول الصويا والنفط الخام.
وتضررت السلع بداية عندما نشرت الصين قائمة بـ 106 منتجات أمريكية تبلغ قيمتها الإجمالية 50 مليار دولار، والتلويح بإمكانية إخضاعها لضريبة استيراد إضافية بنسبة 25%. وأعقب ذلك رد البيت الأبيض بنشر قائمة ضمت 1300 منتجاً من الواردات الصينية تتدرج بين التقنيات الصناعية إلى النقل والمنتجات الطبية. وتضمن رد الفعل الصيني مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية من بينها فل الصويا والمنتجات الزراعية الأخرى، فضلاً عن بضائع مثل السيارات إلى المواد الكيميائية والويسكي والسيجار والتبغ.
وترتب على هذا الإعلان عمليات بيع مكثفة في مؤشرات البورصة العالمية، مع تنامي حدّة الحرب التجارية التي يرجح تأثيرها على حجم النمو والطلب. وأصابت مخاوف النمو السلع الدورية مثل النفط والمعادن الصناعية، وازداد الطلب على الذهب كملاذٍ آمن. وكانت الزراعة القطاع الأكثر تضرراً، فتأثرت المحاصيل الرئيسية مثل فول الصويا والذرة والقطن نتيجة للبيع من صناديق المضاربة التي وجدت في الجانب الخاطئ من التداول.
ورد البيت الأبيض بأسلوب الشرطي الخيّر والشرطي الشرير، حيث قام دونالد ترامب مؤخراً بتعيين لاري كودلو في منصب المستشار الاقتصادي، والذي تمكن من تحسين الأسعار في السوق بعد الإعراب عن استعداده لزيادة المناقشات مع الصين. ولم يدم الهدوء أكثر من يوم واحد حيث وجه ترامب أوامره للمسؤولين الأمريكيين بالتفكير في طرح تعرفة جمركية إضافية بقيمة إجمالية تبلغ 100 مليار دولار على الواردات الصينية.
المصدر: بلومبيرغ، ساكسو بنك
وتراجعت العقود الآجلة لفول الصويا الأمريكي على خلفية الأخبار التي عرضت تجارتها للخطر مع الصين التي تعتبر أكبر مستورد عالمي لهذه السلعة. وبمجرد اتضاح الأمور، لا نرجّح استمرار الخلاف بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية لأمد طويل إذ لا يمكن لأحدهما العيش بدون الآخر؛ لا سيما مع عجز خيارات التصدير الرئيسية الأخرى – في أمريكا الجنوبية تحديداً – عن تلبية الطلب الصيني المتزايد بسرعة. وفي العام الماضي، حصلت الصين على نصف وارداتها من فول الصويا من البرازيل، وبلغت الشحنات الأمريكية حوالي الثلث أو 33 مليون طن بقيمة 12 مليار دولار.
وتم إجراء قسم كبير من صفقات العقود الطويلة على فول الصويا والذرة بشكل غير علني على خلفية الإعلان الصيني؛ على الأقل بعد توجه التجار نحو شراء المحصولين في أعقاب تقرير الزراعة الأخير الذي كشف عن نية المزارعين الأمريكيين تقليص معدلات زراعة فول الصويا والذرة هذا العام قياساً بالتوقعات في السابق.
تعرضت العقود الآجلة الجديدة لفول الصويا في نوفمبر، وللذرة في ديسمبر لأضرار كبيرة قبل محاولة الانتعاش.
المصدر: ’ساكسو بنك‘
وتخشى السوق أن تؤدي الحرب التجارية إلى عرقلة النمو العالمي، مما يؤثر على طلب السلع المعتمدة على النمو مثل النحاس. وتمثلت الأضرار التي لحقت بالمعادن نتيجة لهذه المخاوف حتى الآن في التخلص مما اعتبر مركز بيع قياسي للمضاربة، والذي اعتمدته صناديق التحوط في عقود النحاس الآجلة.
وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من البيع شبه المستمر، عاد مركز الصندوق إلى الحياد للمرة الأولى منذ أكتوبر 2016. وخلال فترة البيع هذه، استطاع الصندوق البقاء ضمن النطاق 2.95 – 3.3 دولار للرطل.
ومرة أخرى، جاء أداء الذهب مخيباً لآمال المراهنين على ارتفاع أسعاره، والذين قدموا الدعم للمعدن الأصفر عبر زيادة عمليات البيع في العقود الآجلة والمنتجات المتداولة في البورصة. وظهر الأداء المتباطئ النسبي والمطلق بين المعادن البيضاء المعتمدة على الطلب الصناعي مثل البالاديوم، والبلاتين، والفضة كإجراء مبني على قدرة الذهب للتحرك نحو الأمام، وهو ما يتحدى بشكل صحيح نطاق المقاومة الرئيسي فوق عتبة 1355 دولار للأونصة.
ومن المرجح أن يستمر توفير بعض الدعم الأساسي نتيجة التوقعات الجيوسياسية غير المستقرة وزيادة تقلبات سوق الأوراق المالية. ولا شك في أن عمليات الرفض المتعددة منذ عام 2016 ربما تسببت في تهميش المشترين المحتملين الذين يسعدهم الآن انتظار تحقيق اختراق محتمل فوق عتبة 1375 دولار للأونصة، وهو أعلى مستوى في عام 2016.
ومنح التقرير الشهري للوظائف في أمريكا دفعة صغيرة ومؤقتة للذهب، حيث جاء تشكيل الوظائف الشهري عند 103 ألف، بنسبة أقل بعض الشيء من الأرقام المتوقعة والبالغة 185 ألف. وأيدت القراءة الثابتة للأرباح بالساعة الرأي القائل بأن اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة ليست في عجلة من أمرها حالياً لرفع معدلات الفائدة هذا العام بأكثر من الحالتين المتوقعتين حالياً.
لم يشهد الذهب أسبوعاً جيداً مع ارتفاع الأسهم والدولار والمكاسب التي تخطت حجم موازنة الطلب المحتمل للملاذ الآمن من ارتفاع حدّة التوترات التجارية.
المصدر: ’ساكسو بنك‘
وقبل ارتفاع أسعاره في عيد الفصح نتيجة لمخاطر العقوبات الإيرانية ، أخفقت أسعار النفط الخام في استقطاب ما يكفي من الزخم لاختراق الارتفاع في يناير. وأدى ذلك إلى تحدي التوقعات الفنية نوعاً ما، وليس أقلها النظر في ارتفاع آخر في عمليات الشراء والمضاربة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقدّم الانخفاض الأسبوعي في مخزونات الولايات المتحدة الأمريكية بعض الارتياح بالرغم من أن معظم التغيير كان مدفوعاً بأسبوع قاس آخر للصادرات الأمريكية. وأصبحت الصين مستورداً رئيسياً للنفط الخام الأمريكي، ومع تعهدها بمحاربة رسوم ترامب الجمركية حتى النهاية، يمكن لجولة ثانية من هذه الرسوم التأثير على هذه أحجام التجارة المتنامية. وإذا تحقق ذلك، فإنه يخاطر بإضافة بعض الضغط النسبي إلى خام غرب تكساس الوسيط مقابل خام برنت نتيجة السعي المحتمل للعثور على مشترين آخرين دون تقديم خصم أوسع.
ويكاد يكون من المؤكد أن الارتباط الكبير نسبياً بسوق الأوراق المالية الأمريكية سيضمن استمرار التقلبات في أسعار النفط مع انحسار التوترات التجارية. ومن المحتمل أن يسهم الموعد النهائي لقرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات على إيران المحدد في مايو. وسيبقى الأمر على حاله طالما لا تتدهور التوقعات الفنية أكثر من ذلك بكثير.
ونحافظ على توقعاتنا باحتمال أن تبقى أسعار النفط محصورة ضمن هذا النطاق، مع خطر قصير الأجل باتجاه هبوطي محدود بين 62.5 دولار للبرميل و60 دولار للبرميل.