تم النشر في الثلاثاء 2015-12-22
لم يكن صادما لي أن تتربع المملكة على عرش قائمة المستهلكين في العالم للعديد من السلع، فنحن من أكبر المستهلكين للشاي ونتقدم على دول يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة في حجم استهلاك الأرز والتمور والذهب والسيارات والأجهزة الإلكترونية، أما الأدوية فموضوعها يحتاج مزيدا من الشرح والاستفاضة!
بلغت تكلفة استيراد الأدوية في عام 2013 فقط 10.8 مليار ريال، ونعتبر ثاني أكبر دولة عالميا استيرادا للأدوية بنسبة نمو تبلغ 18% سنويا، وتصنع المصانع المحلية ما يوازي 20% من احتياج السوق المحلي ونستورد البقية، ومن أصل 6150 دواء موجودا في الصيدليات الخاصة، يصرف 963 دواء و1395 مستحضرا عشبيا دوائيا بدون وصفة طبية تعرف اصطلاحا بالإنجليزي (Over the Counter OTC) وهي كميات تعتبر كبيرة جدا، لأن النسبة الأكبر منها من المكملات الغذائية والفيتامينات التي تصرف باجتهادات الصيادلة ورغبة العملاء ولا تخضع عادة لتسعيرة هيئة الغذاء والدواء (مع أنه من الأفضل أن تسعر حفاظا لحقوق المستهلك من التلاعب بالأسعار) وبعض الكريمات والمحاليل والأشكال الصيدلانية التي تستخدم ظاهريا وذات ادعاءات طبية، وتنشط شركات الأدوية للترويج لها وتبالغ الصيدليات برفع أسعارها بشكل مستمر بلا حسيب ولا رقيب في ظل ضعف وعي المستهلك وثقافته الدوائية وعدم توعيته وإرشاده من قبل الجهات المختصة كهيئة الغذاء والدواء ووزارة الصحة.
لم يكن صادما لي أن نكون من أكثر الدول في العالم استهلاكا للمنشطات الجنسية الدوائية و(المقويات)، ولا أن شركة فايزر العالمية تبيع حبتها الزرقاء بكميات ضخمة لدينا كأنشط سوق عالمي لديها بمبيعات بلغت أكثر من مليار ريال سنويا، إذا عرفنا أن هناك أسبابا منطقية لذلك، فنسبة الأصابة بمرض السكري مرتفعة جدا وتقارب 30 بالمائة وربع السكان يعانون من ارتفاع بالوزن وسمنة بما يصاحبها من ارتفاع في نسبة الدهون في الدم وأمراض مزمنة في القلب والأوعية الدموية.
وبدلا من القيام بحملات توعوية مركزة في جميع وسائل الإعلام حول طرق الوقاية من هذه الأمراض التي تؤثر بضراوة على صحة الفرد وحالته النفسية وقدرته الجنسية، وتشجيع الرياضة والتقليل من الأغذية المشبعة بالدهون وغير الصحية، نجد أن شركات الأدوية تزيد في المقابل من حصتها السوقية، تارة بالدعاية لمستحضراتها المختلفة واستهداف العاملين في المنشآت الصحية لإقناعهم وإغرائهم بشتى الصور بطلب منتجاتهم لإدخالها في دليل الأدوية التابعة لهم، أو بإغواء بعض الأطباء والصيادلة في القطاع الخاص بالتركيز على أدويتهم بالوصف والصرف، ولاحظنا مؤخرا حيلا أخرى بدأت تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بالترويج عن المستحضرات المختلفة للشركات بأيدي بعض شبابنا وشاباتنا الذين لديهم متابعون كثر في صفحات الإنترنت، في سلوك مستهجن وغير صحي، لأنهم لو يعلمون ما قد تسببه هذه الأدوية من مشاكل صحية خطيرة ما قاموا بهذه الأعمال!
عندما يتعدى الإسراف والاستهلاك غير المبرر للسلع إلى الاستخدام غير الرشيد للأدوية نعرف أننا أمام مشكلة خطيرة، فالمشاكل الصحية المتعلقة بالدواء كالأخطاء الدوائية والأعراض الجانبية للأدوية هي من المسببات الرئيسية للوفاة والمضاعفات وإطالة فترة التنويم في المستشفيات وتكلف الحكومات مبالغ طائلة في علاج نتائجها الوخيمة، وينبغي أن يواجه الطمع والجشع في ترويجها بوضع ضوابط قوية من الجهات المختصة في الاتجار بها وأن يرفع مستوى الوعي لدى المواطن ويحذر من خطرها.