تم النشر في الأثنين 2015-03-16
في زمن الضويحي (المحافظ) قدرت نسبة السعوديين الذين لا يمتلكون بيوتا بـ60 في المئة، وارتفعت إلى 70 في المئة في المرحلة ما بين المحافظ والوزير، وغادر الوزارة والنسبة قد وصلت إلى 80 في المئة ــ بحسب آخر الإحصاءات، وبلغة الأرقام تظهر السمة التصاعدية في الأزمة أن هناك خللا في إدارتها أو فهمها بالصورة الصحيحة. ويجوز أن النمو السكاني المفرط يمثل جزءا من المشكلة، وأن اقتراح تباعد الولادات، المرفوض من مجلس الشورى، يقدم جزءا من الحل، فالمملكة تشغل مركزا متقدما جدا في معدل الولادات الجديدة على مستوى العالم، وربما ساعدت مسـألة فرض رسوم على الأراضي البيضاء في تحريك السوق، وفي إجبار مالكيها على بيعها أو استثمارها، ولكنها ليست إلا زاوية واحدة في المشهد السكاني العام. ووزارة الإسكان، في عهد الوزير الضويحي، ارتكبت أخطاء منهجية كثيرة، ولم تستطع، بأقل تقدير، الخروج بإحصاءات مستقلة عن نسبة مستأجري المساكن وملاكها من السعوديين، واستخـــدمت، مرة، بيانات المشتركين في شركة الكهرباء السعودية، ولجأت، في المرة الثانية، إلى بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، وكلاهما وضعها في مواقف لا تحسد عليها، فلا يمكن إقرار حلول مقبولة لمشاكل لا يعرف حجمها على وجه التحديد.
ثم إن وزير الإسكان السابق لم يلتزم بوعود قطعها على نفسه باختياره، فقد حددت وزارته في مارس 2014 سبعة أشهر كموعد لتسليم المنتجات السكنية لمن يستوفون الشروط من المستحقين، وقدرت أعدادهم في ذلك الوقت، بعد أخذ ورد، بما يزيد على ستمائة ألف مواطن مستحق، وقد تنوعت طلباتهم بين وحدات سكنية أو أرض أو قرض أو أرض وقرض، وحل أكتوبر، من العام نفسه، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قامت الوزارة بنشر تصريح يوضح أرقام المستفيدين موزعة طبقا لنوع الطلب، ولم تفعل شيئا غير هذا، وحل نوفمبر مكان أكتوبر وانتهت السنة الميلادية وبدأت سنة ميلادية جديدة، والمتحقق في سجل الوزارة لا يتجاوز صرف 50 ألف وحدة سكنية في أحسن الأحوال.
لعل الفارق بين الوزيرين الضويحي وابن سعيد يبدو في اختلاف التجارب، فالثاني يتكئ على خبرة طويلة في هيئة الخبراء ختمها بترؤسه لها، وهو بحكم قربه وتعامله المباشر مع دوائر صناعة القرار السعودي، يعرف تماما ما تريده القيادة، ويدرك أنه مطالب بحرق المراحل واختصار الزمن، وبتحريك مفاصل الوزارة المصابة بالروماتيزم لتنفيذ المطلوب، والرسالة حروفها بارزة ومقروءة جدا، فمعيار مواصلة الجلوس على كرسي الوزارات الخدميـة مرهون بنجاحاتها وقدرتها على الفعل، والمعادلة السحرية أو خريطة الطريق النموذجية صعبة نسبيا، والعلاج مطلوب بصورة فورية ومستعجلة؛ لأن الإيجارات تـأكل أموال الناس، والاحتمال وارد بأن ينتقلوا إلى العشوائيات الموجودة حالياً في أطراف المدن الكبيرة لخفض تكاليف المعيشة، أو يساهموا في تمدد عشوائيات بمواصفــــات تناسب الاحتياجات السعـــــودية، ولا أحــــد يتمنى هذا السيناريو المزعج بالتأكيد، ولا بد من التــــدقيق في الإحصاءات وترتيب الأولويات، وترحيل الأراضي المستعادة بمعرفة الدولة إلى وزارة الإسكان، والتفريق بين مستفيد يستطيع شراء بيت ويفضل المستأجر، ومستفيد يقيم مختارا في بيت والده المقتدر، ومستفيد أعزب في بداية حياته مقارنة بآخر في منتصف عمره ويجر عائلة كبيرة خلفه، وإحلال المقاول الوطني محل الأجنبي الذي أوكلت إليه مهمة بناء الوحدات السكنية، واستشارة «أرامكو السعودية» وتطوير تجربتها في التصاميم مسبقة الصنع والخرسانة الجاهزة المنفذة في جامعة «كاوست» و«استاد الجوهرة» لتأمين وحدات سكنية بالآلاف في زمن قياسي، والأهم أن تعترف وزارة الإسكان بأخطائها ولا تحيلها إلى الطرف الأضعف في العلاقة، الذي لا يستطيع مجاراتها أو الاعتراض على رأيها.