أسعار الغذاء.. لسنا جزءا من العالم!
تم النشر في السبت 2016-01-30
يقول الكاتب توماس فريدمان: (ادعوني للحديث عن عالم اليوم ولسوف أفسد، بشكل جيد، أي حفل عشاء أحضره)، ولأنني أصبحت قدراً على قارئ هذه الصحيفة، فإنني في كل مرة أحاول ألا أفسد صباحاته، فقد كنت أنوي أن أكتب اليوم عن الحب، لكن قصص الحب في تاريخنا العربي تكون كل نهاياتها مأسوية، بل إن الحب ذاته في مجتمعنا شيء مخيف، فعندما يلاحظ أحدهم شحوب وجه زميله، وهزال قوامه، وشروده وتأخره المتكرر عن الدوام فإنه يبادره: شكلك تحب؟ فيبادر الطرف الآخر لنفي هذه التهمة، ويقسم بيمين غموس أنها لأسباب أخرى لا علاقة لها بالحب، ولا أدري من أقنع المجتمع بأن أعراض الحب هي ذاتها أعراض الإدمان على المخدرات!
ولهذا قررت أن أكتب عن «جزء» جميل من خبر، لكن يجب ألا ننسى أن «الخبر الحلو ما يكمل»، لهذا يقول النصف الجميل من الخبر إن أسعار الغذاء تراجعت بنسبة 19 % خلال العام المنصرم 2015 بحسب منظمة «الفاو»، هذه بشرى للعالم بأكمله، وصدقوني أن الحصول على الغذاء بسعر مناسب أفضل بكثير من «الحب»، ودعوكم من الرومانسيين (أظنها تكتب هكذا)، ولهذا أظنه من حقي أن أُبارك باسم القراء جميعاً لكل سكان العالم بهذا الخبر الرائع، إلى هنا أتمنى على من يريد المحافظة على صباحه جميلاً أن يكتفي بهذا الجزء من قراءة المقال، أو على الأقل يوافقني أن ما يسعد سكان العالم جميعاً هو بحد ذاته خبر رائع، حتى لو لم نكن جزءا من هؤلاء السعداء.
والآن أظن أن هذه التهيئة كافية لإكمال بقية الخبر الذي يقول إن تراجع أسعار الغذاء في العالم قابلها ارتفاع في السوق السعودية بنسبة 1،8 % بحسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة، أليس نحن جزءا من العالم؟ بالتأكيد لا!، فنحن لنا خصوصيتنا في جميع المجالات، فالأسعار بالعالم مرتبطة إلى حد كبير بأسعار النفط، أما لدينا فتتراجع أسعار النفط وترتفع أسعار السلع، وترتفع أسعار النفط وترتفع أسعار السلع، وتعود أسعار النفط للتراجع فترتفع أسعار السلع أيضا، وأحياناً ترتفع أسعار السلع (كذا بمزاجها) حتى والنفط مستقر، وهكذا تستمر الأسعار منطلقة لدرجة أن العداء الجامايكي يُوسين بولت يحسد الأسعار لدينا في سرعتها ولياقتها التي تحطّم (ما بين طرفة عينٍ وانتباهتها) رقما جديدا، وفي نفس الوقت تحطم قلوبا كثيرة!
طبعا لا أحد يعرف «السر»، فجمعية حماية المستهلك هلكت وهي تخاطب وزارة التجارة والصناعة بشأن السوق المحلية التي لا تتجاوب مع السوق العالمية، وكلمة «لا تتجاوب» كنت أظنها حكراً على مكافحة هيئة الفساد التي تشتكي في كل مرة بعدم تجاوب «الجميع» معها، لكن العدوى وصلت «للأسواق» التي تعلمت «التطنيش» أيضاً، أما أنا – ولله الحمد- فتجاوب معي عامل السوبر ماركت عندما اعترضت على سعر (الكورن فلكس) فتجاوب معي مبرراً أن ذلك بسبب رفع أسعار البنزين، وقررت ألا يتعاطى أطفالي أطعمة نفطية!
نقلا عن مكة