تم النشر في الجمعة 2016-08-12
تطرقت في سلسلة مقالات سابقة إلى أسباب الانهيارات المتتالية لشركات التجزئة وعرضت الأسباب التقليدية التي تتم مناقشتها في الندوات والدوريات إلا أن هناك سببا لم يتم التركيز عليه بشكل كبير إلا وهو عدم اختيار عناصر المزيج الترويجي بما يتفق وعمل شركات التجزئة والمستهلكين الأفراد. وقد عرضت أهمية أدوات (عناصر) الترويج وتأثير كل عنصر من عناصر المزيج الترويجي في قرار المستهلك الشرائي.
وفي هذا المقال أريد أن أختم هذه السلسلة بعدد من التوصيات والآليات التي قد تفيد شركات التجزئة خصوصا السوبر ماركت في اختيار وإدارة مزيجها الترويجي. ينبغي قبل كل شأن أن تتجنب شركات التجزئة تصميم برنامجها الترويجي دون معرفة أثر أدوات الترويج المختلفة في قرار المستهلك الشرائي. فأخذ تأثير عناصر المزيج الترويجي في قرار المستهلك سيجعل البرنامج الترويجي أكثر فاعلية وأقرب إلى الواقعية وستجني الشركات منه الكثير وتعرف تحركات وسلوكيات المشترين.
من خلال العرض المعرفي ونتائج الدراسات الميدانية التي تم استعراضها في المقالات السابقة تبين لنا وجود تأثير لجميع عناصر المزيج الترويجي في قرار المستهلك الشرائي إلا أن التأثير الكبير كان لعنصر تنشيط المبيعات. وهذا هو التحول السائد عالميا من التركيز على أدوات الترويج التقليدية كالإعلان والبيع الشخصي إلى تنشيط المبيعات. لذا ينبغي على محال التجزئة خصوصا “السوبر ماركت” الاهتمام كثيرا بتنشيط المبيعات وزيادة الميزانية لتحفيز المبيعات وتقديم الكثير في هذا على هيئة خصومات، وقسائم، وهدايا مجانية، وحملات تذوق، ومسابقات وما إلى ذلك. كما يفضل التنسيق مع المنتجين في تفعيل هذا العنصر لأن جانبا كبيرا من تنشيط المبيعات يتولاه المنتجون فلا يكفي أن تهتم “السوبر ماركت” بزيادة ميزانية تنشيط المبيعات بل يجب أن يفعل الشيء نفسه المنتجون أيضا.
كما تبين لنا أيضا أن هناك تأثيرا لعنصر “البيع الشخصي” في قرار المستهلك الشرائي إلا أن تأثيره ضعيف مقارنة بتنشيط المبيعات، لذا ينبغي على شركات التجزئة التعامل بحذر مع البيع الشخصي حتى لا ترتفع تكاليف الترويج ومن ثم يزيد السعر على المستهلك النهائي. فمحال “السوبر ماركت” صممت لتكون للخدمة الذاتية self-service بهدف تقليل تكاليف البيع الشخصي وبالتالي خفض الأسعار للمستهلكين على عكس المحال المتخصصةspecialty stores التي تقدم مستوى عاليا من خدمات البيع الشخصي ولكنها تفرض أسعارا مرتفعة نسبيا نتيجة لذلك.
ينبغي أيضا التركيز على عنصر العلاقات العامة في ترويج منتجات شركات التجزئة فقد تمت ملاحظة الأثر الكبير لعنصر العلاقات العامة في قرار المستهلك الشرائي وليكن ذلك على شكل رعاية الأنشطة الاجتماعية والوطنية، ودعم بعض المنظمات الخيرية كمراكز الأيتام ودور العجزة، وغيرها فقد أتى عنصر العلاقات العامة في المرتبة الثانية من حيث درجة تأثيره في قرار المستهلك الشرائي بخلاف عنصر التسويق المباشر الذي أتى في المرتبة ما قبل الأخيرة فلا يعادل تأثيره في قرار المستهلك الشرائي تأثير بقية أدوات الترويج لذا يمكن إغفاله وعدم الاهتمام به كثيرا. كما أن التسويق المباشر لا يناسب محال “السوبر ماركت” بقدر ما يناسب المحال المتخصصة specialty stores فتقوم هذه الأخيرة بتنمية عنصر “التسويق المباشر” عن طريق زيادة نسبة العروض الخاصة التي تقدم لمجموعة مختارة من المستهلكين عن طريق البريد، أو الجوال، أو إيصال العروض مباشرة إلى منازل العملاء. لذا لا ينصح بتفعيله لمحال “السوبر ماركت” كون تأثيره محدودا في قرارات الشراء مقارنة ببقية أدوات الترويج وكون محال “السوبر ماركت” لا تمارس في الأصل أنشطة التسويق المباشر.
كما تبين كذلك من خلال العرض المعرفي ونتائج الدراسات السابقة أن هناك تأثيرا ضعيفا للإعلان في قرار المستهلك الشرائي فقد أتى في المرتبة الأخيرة، لذا يجب مراعاة ذلك عند إعادة هيكلة المزيج الترويجي وتخفيض الاعتماد على الإعلان كوسيلة ترويجية فهذا سيوفر على الشركات تكاليف الإعلان الباهظة التي يمكن استغلالها في دعم أدوات أخرى لها تأثير في قرار المستهلك الشرائي وأهمها وفي مقدمتها تنشيط المبيعات. ولقد تبنى كثير من كبار شركات التجزئة مثل “ووال مارت” و”تارجت” وغيرها مبكرا تخفيض الاعتماد على الإعلان كونه أداة ترويجية مكلفة وللكم الهائل من الإعلانات التي يصعب على المستهلك التمييز بينها حتى خرج الإعلان عن المألوف وقد تقصلت الإعلانات كثيرا، ولا نريد أن نسهب في موضوع الإعلان فلنا عودة إليه في مناسبات مقبلة ــــ إن شاء الله.
نعود للمزيج الترويجي فنقول إنه يجب أخذ ثأثير أدوات الترويج في قرار المستهلك مأخذ الجد وبذل المزيد من الدراسة حول هذا الجانب فالاهتمام مازال منصبا على التسعير والتوزيع وغيرها من عناصر المزيج التسويقي أما الترويج فلم يأخذ حقه من الدراسة والاهتمام. كما أن الدراسات التي اهتمت بالترويج ركزت على أداة واحدة من أدوات الترويج كالإعلان مثلا أو تنشيط المبيعات وقليل منها يهتم بدراسة جميع أدوات الترويج الخمسة مجتمعة والمقارنة بينها وتحديد الأنسب.
ومن الموضوعات التي ينبغي أن تطرق التعرف على تأثير أدوات الترويج في الوسطاء فالأدوات التي تستخدم لترويج المنتجات للمستهلكين الأفراد تختلف عن تلك الأدوات التي تستخدم لترويج المنتجات للوسطاء و من ثم فإن تأثيرها قد يختلف. كما يمكن للدراسات أيضا أن تهتم بتقييم أدوات الترويج ومدى درجة رضاء المستهلك عنها. ولا يحتاج الأمر إلى مزيد من العناء فقد تم تطوير نماذج تضم جميع أدوات الترويج الرئيسة والفرعية التي تناسب شركات التجزئة والمطلوب فقط تطبيقها ميدانيا.
كما يلاحظ أيضا أن الدراسات عن الترويج اقتصرت على نوع واحد من شركات التجزئة وهي السوبر ماركت وأغفلت البقية كما أغفلت أيضا دراسة تأثير أدوات الترويج في قطاعات أخرى كشركات السيارات أو قطاع الخدمات. وأخيرا ينبغي أخذ آراء مديري التسويق ورجال البيع في الشركات عن مدى فاعلية أدوات الترويج للنظر للموضوع من زاوية أخرى.
* نقلا عن صحيفة ” الاقتصادية “