“من الداخل” يقف شاهداً على تاريخ التطور الحضاري في المملكة
تم النشر في الثلاثاء 2019-12-24
حكايات عن الزخرفة المعمارية يرويها كتاب قطني، وشبكة تعبر عن القوة والسطوة والتحكم، وصراع مستمر مع العجين يلخص معنى الصبر، ونظرة تخيلية كلاسيكية للمستقبل يشكلها الصوت. تلك رؤية مختلفة لمجموعة من الفنانين الذين عبروا عنها من خلال أعمال فنية تركيبية في معرض “من الداخل” الذي أطلقته وزارة الثقافة كخطوة أولى لتحويل محافظة الدرعية إلى مركز للثقافة والفنون المعاصرة. ويضم المعرض مجموعة من الأعمال الفنية والأعمال التركيبية التي تستكشف العمق الإنساني وتثير تساؤلات حول العلاقة بين العمارة وسلوك الإنسان، والطرق التي تنعكس بها التجارب البشرية والطبيعة المجتمعية على نسيج التطور الحضاري.
في زاوية من المعرض، تمكنت الفنانة التجريدية “هدى جبلاوي” من تقديم عمل يعطي الزوار فرصة تجربة استحضار حكايات الماضي وعيش تفاصيلها من خلال عمل أسمته “من الشرفة (2019)”. وهو عبارة عن كتاب فني تم تجليده وخياطة صفحاته وطباعتها على ورق قطني باستخدام النقش الغائر والطباعة الشمسية. ويأخذ الكتاب المشاهدين في رحلةٍ عبر شبابيك الزمن، وتعبر صفحاته الفنية عن غنى وتفرد الزخارف المعمارية لرواشين المدينة المنورة، ومدى روعة انسجام تفاصيلها.
أما الفنانة “غادة الحسن” فقد تمكنت من خلال عملها الفني الذي أطلقت عليه اسم “المدى (2019)”، من الإشارة إلى تاريخ الحساب والقوة ولعبة لوحية واقعية تماماً مثل لعبة الشطرنج التي يتمكن فيها اللاعب من التحكم بالقطع ووضعها في أي مكانٍ يختاره، حيث يتألف عملها الفني التركيبي التفاعلي من منحوتات خشبية توجد على شبكة مرسومة على الأرض، عددها ثماني منحوتات كبيرة ومنحوتة صغيرة في الوسط. تمت معالجة أسطحها بالملصقات كي تشبه القطع الأثرية القديمة. وتشير المنحوتة الصغيرة إلى وحدة يمكن أن تمثل فرداً أو شكلاً أو مبنى أو مساحة أو ما إلى ذلك، وهي محاطة بأعمدة أطول وأكثر استبداداً في كل مكان. تتعرض المنحوتة الصغيرة لتأثير العناصر الأخرى داخل الشبكة التي تسيطر عليها وتتحكم فيها، ويعد ارتفاع كل منحوتة مؤشراً على قدرتها على السيطرة والتأثير على ما حولها.
وفي ناحية أخرى من المعرض، قدمت الفنانة “هدى الناصر” فيلماً فنياً يكرر مشهداً واحداً بعنوان “أنا أعجن (2019)”، يصور الفنانة وهي تعجن العجين. ويركّز الفيلم على الأيدي وهي تعجن لتسليط الضوء على الصراع المستمر مع العجين؛
ففي بعض الأحيان يكون طيعاً، وفي أحيان أخرى يكون قاسياً ومتمرداً، ثم فجأة يلتصق باليد التي تعجن بيأس. تعبر هذه العلاقة عن عمق نفسية الفنانة بكل تعقيداتها وصراعاتها، ويعد الخبز مهارة ورثتها الفنانة عن والدتها وجدتها. وتنظر له الفنانة كفن يتطلب يدين صبورتين وسطح أملس صلب. وعلى الرغم من أن الظروف تبدو مثالية للعجن، إلا أن الصراع مع العجين لا ينتهي. كما تستخدم الفنانة الخبز لرسم العلاقة بين قرية والدتها “النماص” في جنوب المملكة العربية السعودية والقرى المختلفة في بريطانيا، حيث تقوم جدتها بإعداد الخبز الطازج يومياً للعائلة، وتقوم هي بتتبع خطى جدتها في ممارسة هذا الفن.
كذلك قدمت الفنانة “فلاوندر لي” عملاً فنياً تركيبياً قابل للنفخ بعنوان “المكان صوت (2019)”، يتكون من سبع كرات متصلة ببعضها البعض لتشكل حرف H. تحتوي كل كرة على مكبراتٍ صوتية تصدر مجموعة مختلفة من الأصوات الطبيعية والثقافية والصناعية، من عدة مناطق حول العالم. تتردد الأصوات وتنتقل في أرجاء المكان، مما يدعو المتلقي إلى التجول في أرجاء هذا العمل التركيبي. ونادراً ما تستخدم هذه الكرات في أعمال الهندسة المعمارية نظراً لكونها مساحات غير عملية. ويأتي هذا العمل التركيبي بمثابة رؤية تخيلية للمستقبل ولكن بطريقة كلاسيكية، تشبه التصور السائد في خمسينيات القرن العشرين عما سيكون عليه المستقبل، ليخلق العمل بذلك حيزاً يبدو مألوفاً رغم غرابته. وتنتابك مشاعر متضادة بالغربة والسكينة أثناء تجولك في أنحائه تشبه تلك المشاعر التي تبعثها فينا العديد من المطارات والفنادق والمراكز التجارية.
الجدير بالذكر أن المعرض يندرج ضمن مبادرات برنامج جودة الحياة أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، ويأتي ضمن خطة وزارة الثقافة لتحويل محافظة الدرعية إلى منطقة للفنون المعاصرة، تستضيف الأعمال الفنية من مختلف دول العالم. ويُبرز المعرض دور الوزارة في دعم الأعمال والفعاليات الفنية والثقافية العالمية رفيعة المستوى، وسعيها إلى فتح الأبواب أمام الفنانين والمنصات من حول العالم، عبر توفير منصة للفنان من المملكة العربية السعودية لعرض أعمالهم للجماهير الدولية والعالمية.