الوجه الخفي للطوافة !
عبدالله علي الزهراني
تم النشر في السبت 2024-08-24لم أكن أتخيل يومًا أن مهنة الطوافة تحمل في طياتها ما يتجاوز المظاهر السطحية، فعندما أتيحت لي الفرصة لأول مرة للعمل الموسمي مع إحدى شركات خدمات الحج خلال موسم الحج الماضي، ظننت أن مهام هذه الشركات لن تتعدى التوجيه والتنسيق اللوجستي للحجاج، ولكنني كنت مخطئًا.
منذ اللحظة الأولى التي خطوت فيها داخل أروقة تلك الشركة، أدركت أنني أمام تجربة تتجاوز حدود العمل التقليدي. اكتشفت أن الطوافة ليست مجرد وظيفة؛ بل هي رسالة تحمل في طياتها قيمًا سامية وتجسد أخلاقيات عميقة وتاريخًا عريقًا.
شاهدت كيف يتحول العمل إلى فن راقٍ، وكيف يجسد منسوبو الشركة، قبل مسؤوليها، مثالًا يُحتذى به في التعامل والحرص والوفاء، لم تكن خدماتهم مجرد أداء لواجب مهني، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن حب حقيقي للعمل في هذا المجال، حيث كان استقبالهم للحجاج دافئًا كما لو كانوا يستقبلون أفرادًا من عائلاتهم. وبينما كان الحجاج يقطعون آلاف الأميال للوصول إلى بيت الله الحرام، كانوا يجدون في تلك الشركة حضنًا دافئًا يضاهي دفء بيوتهم.
ما أثار إعجابي بشكل خاص هو مستوى الاحترافية العالية والخبرة الطويلة للعاملين في هذه الصناعة. لم يكن الأمر مجرد تنظيم لوجستي أو تنفيذ للمهام؛ بل كان تعاملًا إنسانيًا راقيًا وحسًا عميقًا بالمسؤولية تجاه الحجاج، هدفهم الوحيد جعل تجربة الحج مريحة وهادئة وذكرى لا تُنسى.
خلال تجربتي التي امتدت 75 يومًا، اكتشفت أن “الصدق” هو مفتاح نجاح هذه الصناعة والعنصر الحاسم في إرضاء الحجاج. كان مسؤولو الشركة يحرصون على الوفاء بكل الوعود، بل ويتجاوزون التوقعات، وفي الوقت ذاته يحققون مكاسب مادية بشفافية ونزاهة، دون استغلال الحجاج أو خداعهم، مما يعكس التوازن بين الخدمة الأمينة والعائد الاقتصادي المشروع.
لكن ما أدهشني حقًا هو الرعاية الشاملة التي تقدمها الشركة لحجاج الدول التي تقوم بخدمتهم. فهي لا تعتبر الحاج مجرد عميل عادي، بل تتجاوز ذلك لتصبح العلاقة معه علاقة أسرية مبنية على الثقة والاحترام. كان موظفي مراكز الخدمة يعرفون تفاصيل دقيقة عن كل حاج، مما مكنهم من تلبية احتياجاتهم بشكل أفضل.
ولم تقتصر الرعاية على توفير الطعام والمسكن فحسب؛ بل تضمنت أيضًا دعمًا معنويًا ونفسيًا. كان الموظفون الميدانيون يعاملون الحجاج وكأنهم جزء من أسرهم، يستمعون إلى هواجسهم، يخففون من قلقهم، ويساعدونهم على أداء مناسكهم بكل يسر وطمأنينة، وكلما احتاج الحاج إلى مساعدة إضافية، كان يجدها بسرعة ودون تردد.
ختامًا، خرجت من تلك التجربة برؤية جديدة وإعجاب لا حدود له بكل الجهات والقطاعات العاملة في الحج، وأدركت أن “الطوافة” ليست مجرد إدارة وتنسيق، بل هي تجسيد لمعاني سامية مثل الأمانة، الصدق، والإخلاص، والمحصلة كانت بكل فخر عملاً وطنياً وإنسانياً من الدرجة الأولى.