مقالات

الرابح والخسران في الاتفاق التجاري الأميركي – الصيني

تم النشر في الأحد 2020-02-02

د. عبدالله الفرج

 

الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين يطرح العديد من التساؤلات أولها: في مصلحة من يصب هذا الاتفاق؟ طبعاً الإجابة السريعة قد لا تكون كافية. فمن الواضح إن الولايات المتحدة وحتى الحملة الانتخابية هي الرابح من هذا الاتفاق اقتصادياً وسياسياً، وخاصة الرئيس الأميركي الذي سوف يوظف نتائجه في حملته الانتخابية، باعتباره أحد النجاحات التي حققها خلال فترة رئاسته الأولى. فالولايات المتحدة قد تمكنت من إجبار الصين على شراء سلع أميركية، خلال العامين القادمين، تبلغ قيمتها 200 مليار دولار: من ضمنها سلع صناعية بقيمة 75 مليار دولار، وسلع زراعية بقيمة 40 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى مصادر الطاقة بقيمة 50 مليار دولار، وهذا يمسنا بالتأكيد لأنه سوف يخفض مشتريات الصين لمصادر الطاقة القادمة من المملكة. طبعاً دول الاتحاد الأوروبي تضرب أخماساً في أسداد، لأن الدور قادم عليها ما لم تتفق مع الولايات المتحدة مثلما اتفقت الصين معها.

من ناحية أخرى، فإن الاتفاق الأميركي – الصيني يعكس فشل آلية السوق في تنظيم التجارة الدولية. فإذا فرضنا إن الدولة الصينية تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد وسعر صرف العملة، فإن ذلك لا ينطبق على الاتحاد الأوروبي الذي تلعب فيه السوق وليس القطاع الحكومي دوراً كبيراً في الاقتصاد. فلماذا لا يحتكم الأميركيون والأوروبيون لآلية السوق لحل النزاعات التجارية بينهم؟

إذاً، فنحن أمام فرضيتين: الأولى إن أدوات السوق غير ناجحة وتفشل في تنظيم التجارة الدولية؛ والثانية أن الولايات المتحدة قادرة على لي عنق السوق وفرض ما تراه في مصلحتها، دون مراعاة لقوانين السوق. والفرضية الأخيرة ترفع الملامة عن السوق وتضعها على الولايات المتحدة التي تجبر غيرها على تنفيذ ما تراه مناسباً لها.

إن الفرضية الثانية، إذا صحت فمعنى ذلك أن آلية السوق على المدى القصير قد تراجعت ولم تفشل، وإن ما يتم فرضه الآن من شروط سوف ينعكس على البلد الذي يفرضه بالسالب على المستوى البعيد. بالفعل، فإن إجبار الأسواق على فتح أبوابها بالقوة سوف يكون له عواقب وخيمة في المستقبل. فهذا يعيد بالذاكرة إلى قبل الحرب العالمية الثانية، عندما تقاسمت المملكة المتحدة وفرنسا فيما بينها أسواق العالم. ولكن هذه الأسواق المفتوحة بالقوة هي التي جعلت مصانع هذين البلدين تتوقف عن تحديث نفسها، الأمر الذي فتح المجال أمام الولايات المتحدة – التي ليس لديها مستعمرات وأسواق مضمونة – لكي تتقدم عليهما. فمثلما نعرف فإن المصانع تحدث نفسها، حتى تواكب الطلب. فإذا فتحت الأسواق عنوة، فإن المصانع تكف عن تحديث نفسها. وهذا يؤدي إلى فقدانها السباق وتراجع الطلب على منتجاتها على المدى البعيد.

عن الزميلة الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock