الداو جونز (US30) يقفز 150 نقطة.. فهل تهدد قرارات الفيدرالي ورسوم ترامب استمرار الصعود؟
رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com - منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
تم النشر في الخميس 2025-01-30شهد مؤشر الداو جونز (US30) ارتفاعًا ملحوظاً مؤخراً في موجة صعود قوية ليتداول بالقرب من 44849 دولار، حيث سجل مكاسب بلغت 250 نقطة في ذروته قبل أن يستقر عند زيادة قدرها 150 نقطة في نهاية يوم أمس. وبرأيي هذا الصعود اللافت جاء في ظل تجاهل المستثمرين لمخاطر الحرب التجارية المتجددة التي يلوّح بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. واللافت في هذا الصعود هو استمرار الزخم الإيجابي للأسواق، رغم تصاعد حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية والنقدية. فبينما يستعد الفيدرالي الأمريكي لإعلان قراره بشأن أسعار الفائدة، يواجه السوق توترات جديدة مرتبطة بجولة أخرى من الرسوم الجمركية المحتملة، مما يضع المتداولين أمام معادلة معقدة بين التوقعات النقدية والتحديات التجارية.
والبيانات الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة تكشف عن تباطؤ ملحوظ في طلبات السلع المعمرة، حيث تراجعت بنسبة 2.2% خلال ديسمبر، في حين كان من المتوقع أن تحقق انتعاشًا بنسبة 0.8%. ورغم أن هذا الانخفاض قد يبدو مقلقًا، فإن القراءة المعدلة التي تستثني قطاع السيارات أظهرت نموًا طفيفًا بنسبة 0.3%، ما يشير إلى أن التباطؤ ليس بالحدة التي قد تبدو عليه عند النظر إلى الرقم الرئيسي فقط. ويبقى قطاع السيارات مصدر قلق خاص، حيث إن المستهلكين الأمريكيين مثقلون بديون السيارات التي بلغت 1.7 تريليون دولار، مما يجعل الإنفاق على المركبات أكثر تحفظًا. وهذه المعطيات تعزز المخاوف من أن التضييق النقدي المستمر قد يؤثر على سلوك المستهلكين، وهو أمر سيتعين على الفيدرالي أخذه في الاعتبار عند رسم سياسته المستقبلية.
وفي المقابل، لا تزال سياسات الرئيس ترامب التجارية تلقي بظلالها على الأسواق. فالتلويح بإعادة فرض رسوم جمركية على قطاعات حيوية مثل الصلب والنحاس والألمنيوم وأشباه الموصلات يعيد للأذهان أجواء التوتر التجاري التي شهدها الاقتصاد العالمي في فترات سابقة. ومن وجهة نظري، يكمن التحدي الأكبر هنا في مدى قدرة هذه الإجراءات على تحفيز الإنتاج المحلي، إذ إن بناء المصانع في الولايات المتحدة يتطلب استثمارات ضخمة، فضلاً عن أن العمالة الأمريكية مرتفعة التكلفة مقارنة بالدول المنافسة. وبالتالي، فإن التأثير الأساسي لمثل هذه السياسات قد يكون تعزيز التضخم المحلي وإضعاف القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي، مما قد ينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي في نهاية المطاف.
أما فيما يخص الفيدرالي الأمريكي، فإن الأسواق تترقب بيانه المنتظر حول أسعار الفائدة. ولا يُتوقع أن يُقدم البنك المركزي على أي تغيير في معدل الفائدة هذه المرة، لكن الأهم من ذلك هو النبرة التي سيتبناها رئيس الفيدرالي جيروم باول في خطابه، خصوصًا بعد الضغوط السياسية المتزايدة من البيت الأبيض. فالرئيس ترامب لم يُخفِ انتقاده المستمر للفيدرالي، وذهب مؤخرًا إلى حد المطالبة بخفض الفائدة. ومع ذلك، فإن استقلالية الفيدرالي تجعل من غير المرجح أن يرضخ لهذه المطالبات. والسؤال المطروح هنا هو: كيف سيتفاعل السوق مع البيان القادم؟ فإذا لمح الفيدرالي إلى تبني نهج أكثر مرونة مستقبلاً، فقد يؤدي ذلك إلى استمرار الاتجاه الصعودي في وول ستريت، بينما قد تؤدي أي إشارات على تشديد السياسة النقدية إلى عودة التقلبات.
وبرأيي التحركات في مؤشر الداو جونز خلال الجلسة الأخيرة تعكس حالة من التفاؤل الحذر بين المستثمرين. فعلى الرغم من بعض التراجع في بعض القطاعات، فإن الأسهم القيادية لا تزال تُظهر أداءً قويًا، حيث سجل سهم بوينج (BA) قفزة بنسبة 6.5% ليصل إلى 186 دولارًا للسهم، كما ارتفع سهم سيلزفورس (CRM) بنسبة 5.5% ليصل إلى 366 دولارًا للسهم. وبرأيي هذه المكاسب تشير إلى أن المستثمرين لا يزالون يراهنون على استمرار قوة الأداء في بعض القطاعات، رغم التحديات الكلية التي تواجه السوق.
وفي النهاية بالنسبة لي، يبقى المشهد الاقتصادي معقدًا، حيث تتداخل العوامل النقدية والتجارية في تحديد مسار الأسواق. فبينما يُظهر الاقتصاد بعض الإشارات على التباطؤ، لا تزال أسواق الأسهم مدعومة بزخم إيجابي، وسط ترقب حذر لقرار الفيدرالي القادم. والسؤال الأبرز هو: هل يستطيع السوق الاستمرار في الصعود رغم التحديات، أم أن أي إشارة سلبية من الفيدرالي أو تصعيد جديد في الحرب التجارية قد تعيد التقلبات إلى المشهد؟ وفي الحقيقة ستكشف الأيام القادمة الإجابة، لكن الواضح حتى الآن أن الأسواق تسير على خيط رفيع بين التفاؤل والمخاطر.