الاستزراع السمكي صناعة واعدة
تم النشر في الجمعة 2020-10-16
محمد جابر السهلي
تعد الأسماك من أهم المصادر الغذائية للإنسان منذ القدم، كونها من أهم مصدر للبروتين والعناصر الغذائية. وقد أدى التعداد السكاني العالمي والصيد الجائر والتلوث البحري، إضافة إلى زيادة الطلب على الكائنات البحرية لسد احتياجات الأسواق المحلية من الأسماك الطازجة، إلى البحث عن البديل.
من هنا برزت أهمية وضرورة التطور في عملية الاستزراع السمكي عن طريق استخدام أحدث الوسائل التقنية لتوفير الأمن الغذائي، وهي ما عرف بتربية الأسماك أو الاستزراع السمكي، الذي يعني تربية الأحياء المائية تحت ظروف بيئية وتحت الإدارة والتحكم في ظروف التفريخ والتربية بتوفير الظروف البيئية المناسبة.
إلا أن من أهم أسباب تعثر صناعة الاستزراع السمكي في عديد من الدول، سواء في تنمية هذه الصناعة على السواحل البحرية أو داخل المياه البحرية في المياه العميقة، وكذلك في المناطق الداخلية، يرجع إلى عدم وجود أمثلة جيدة سهلة ومبسطة وناجحة لمثل هذه المشاريع، إضافة لأن هذه الصناعة حديثة والتقنيات فيها سريعة التطور وتأتي هذه التقنيات للتغلب على الصعوبات التي تواجهها والتي تختلف من مكان إلى آخر.
ومن الأخطاء الشائعة عند إنشاء هذه المشاريع، عدم مراعاة بعض المربين للظروف البيئية، التي تسود منطقة الاستزراع، خاصة ظروف المناخ أو عدم اختيار الأصناف المستزرعة الأكثر ملاءمة للطبيعة السائدة في المنطقة المستهدفة للتنمية.
ومن المتطلبات الأساسية لقيام صناعة للاستزراع السمكي، توطين التقنية، الذي يتم بنقل تقنيات متعددة ذات ارتباط بهذه الصناعة، تشمل جوانب ومرافق مهمة، مثل التفريخ، وذلك بإنشاء مفرخات حديثة لتوفير الزريعات واليرقات اللازمة لدعم هذه الصناعة، والتشجيع على إنشاء مزيد منها، وتجهيز هذه المفرخات بالمعدات الحديثة للعناية بالبيض وتخصيبه وحضانته وحضانة الصغار وتوفير الخدمات المساندة للمفرخات من توفير الأغذية الحية مثل الطحالب وغيرها مما تتطلبه هذه الخدمات من تقنيات ومعدات.
وكذلك تحصينها من الأمراض وإعدادها للتربية قبل نقلها إلى المربين، وما يتطلبه ذلك من وسائل وتقنيات للتحضين والرعاية والمناولة والفحص والفرز والعد. تأتي بعد ذلك مرحلة التربية، التي أصبحت هي الأخرى صناعة زراعية مثل صناعة الألبان والدواجن والبيوت المحمية، وغيرها من الصناعات الزراعية الرامية إلى توفير الغذاء بعيدا عن الإنتاج بالوسائل التقليدية غير المنضبطة في الجودة والتوقيت.
فأصبحت تربية الأسماك والأحياء المائية، التي تشمل الربيان والأصداف والمحار والقشريات، صناعة لها أنظمة تربية تشمل الأحواض “الأحواض الأسمنتية، الفيبرجلاس، البولي إيثيلين، الترابية المبطنة بالبلاستيك والأحواض الترابية”، والمسيجات الشاطئية، التي يتم إنشاؤها على السواحل البحرية وسواحل البحيرات وضفاف الأنهار، وكذلك أنظمة التربية في الأقفاص العائمة في المياه العميقة البحرية وفي البحيرات والسدود، وأيضا الأقفاص الغاطسة وشبه الغاطسة، التي عادة تنشأ في المياه العميقة، التي تتعرض للتيارات البحرية العنيفة أو درجات الحرارة المنخفضة، وما تتطلبه هذه المرحلة من تغذية ورعاية حتى تصل إلى الأحجام التسويقية، لتأتي بعدها مرحلة الحصاد، التي أيضا لها حقها من التطور بتقنيات متقدمة أيضا في طريقة الحصاد والأدوات المستخدمة فيه، بهدف حصاد الأحجام المناسبة من الأسماك، ويبقي الأحجام غير المناسبة لوقت آخر، ويتم حصاد الأسماك في وقت قصير وقياسي للمحافظة على جودة الأسماك ونقلها إما إلى الأسواق وإما إلى مصانع المعالجة في أسرع وقت.
حيث يتم إعداد المنتجات السمكية لمتطلبات الأسواق المتعددة، وينعكس ذلك على رفع قيمة هذه المنتجات وتعود على المنتجين بالفائدة، كما تحافظ على جودة المنتجات السمكية وتطيل من عمر فترة تداولها، سواء كانت طازجة أو مبردة أو مجمدة، وتنعكس كذلك إيجابيا على المجتمعات المحلية وتوظيف القوى العاملة، حيث تحتاج مصانع المعالجة للمنتجات السمكية إلى عدد كبير من الطاقة البشرية، خاصة النساء. وتعد بيئة العمل في هذه المصانع بيئة تناسب عمل المرأة، حيث أصبحت متطلبات الأسواق إعداد منتجات سمكية سريعة التحضير، سواء وجبات مطبوخة وجاهزة للأكل أو وجبات جاهزة للطبخ أو وجبات مضافة لمنتجات غذائية أخرى، لإعداد وجبات غذائية متكاملة.
ومن المهم لنقل هذه التقنيات ضرورة تهيئة بيئة العمل وتوطين هذه التقنيات علميا وعمليا في صنع جيل من الرجال والنساء يستوعب فنون الاستزراع السمكي سالفة الذكر، سواء التفريخ أو الحضانة أو التربية أو المعالجة والتداول، وما يرتبط بها من صناعات مساندة مثل صناعة الثلج وصناعة القوارب والشباك والرعاية الصحية والمحجرية، وما تتطلبه هذه الصناعة من قوى بشرية متعلمة ومدربة وفق برامج أكاديمية ومهنية لتهيئة الخريجين والخريجات للعمل في هذه الصناعة وتوطين تقنياتها.
عن الاقتصادية